
بقلم: عبد الله ديدي بيها
متخصص في الاقتصاد
في الوقت الحالي، يبلغ الدين العام للولايات المتحدة الأمريكية نحو 36 تريليون دولار. وخلال هذا العام وحده، من المتوقع أن تنفق الدولة حوالي 7 تريليونات دولار، في حين أن إيراداتها لن تتجاوز 5 تريليونات دولار. وهذا يعني أن العجز سيبلغ 2 تريليون دولار إضافية، ما يرفع إجمالي الدين إلى 38 تريليونًا. وإذا لم يتغير شيء، فإن هذا السيناريو الكارثي سيستمر كل عام بشكل متكرر، مما يشكل خطرًا حقيقيًا على استقرار الاقتصاد الأمريكي وعلى مستقبل الأجيال القادمة.
في مواجهة هذا الوضع، لا يبدو أن ترامب يتصرف بتهور كما يصوره البعض، بل إنه يملك استراتيجية اقتصادية واضحة، قائمة على تقليص العجز من خلال التحكم في النفقات وزيادة الإيرادات بطريقة مدروسة. فقد كلف إيلون ماسك، إلى جانب فريق يرتبط بمشروع DOGE، بمهمة تقليص الإنفاق العام بما لا يقل عن تريليون دولار. وهذا لا يعني تقليص الخدمات، بل القضاء على مظاهر التبذير، والإنفاق غير المبرر، وخاصة مكافحة حالات الاحتيال الواضحة في الحسابات العمومية، وهي خطوة يرى ترامب أنها ضرورية قبل الحديث عن أي إصلاح ضريبي أو تنموي.
في الوقت نفسه، أوكل ترامب إلى رجل الأعمال هوارد لوتنيك مهمة رفع إيرادات الدولة بما بين 1 إلى 2 تريليون دولار، سيما عبر رفع الرسوم الجمركية. وقد قوبلت هذه الخطوة بانتقادات كثيرة، لكنها في الواقع تستند إلى منطق اقتصادي متين.
فعلى سبيل المثال، عندما تصدر الولايات المتحدة سيارة إلى أوروبا، تخضع لضريبة جمركية بنسبة 10%، بينما السيارات الأوروبية المستوردة إلى السوق الأمريكية لا تُفرض عليها سوى 2.5% فقط. هذا التفاوت يضر بالمنتج الأمريكي ويضعف قدرته التنافسية.
كما أن الولايات المتحدة، بوصفها أكبر مستورد في العالم، لديها هامش واسع للمناورة، وإذا قررت الدول الأخرى الرد بالمثل، فإن الضرر سيقع عليها أكثر من أمريكا.
علاوة على ذلك، فإن رفع الرسوم الجمركية سيشجع الشركات على إعادة مصانعها إلى داخل الولايات المتحدة، مما يعني خلق المزيد من فرص العمل، وتنشيط الاقتصاد المحلي، خاصة وأن ترامب يسعى إلى تسهيل القوانين وتقليل الأعباء التنظيمية على هذه الشركات.
الهدف النهائي من هذه الإجراءات هو تحقيق فائض مالي حقيقي، أي أن تمتلك الدولة موارد تفوق حاجتها الفعلية. وباستخدام هذا الفائض، يخطط ترامب لتخفيض الضرائب على الأفراد والشركات، ما من شأنه جذب المزيد من الاستثمارات وتحفيز النمو بوتيرة أسرع، في بيئة اقتصادية أكثر استقرارًا.
هذه الدورة الاقتصادية المتكاملة، كما يراها ترامب، تبدأ من إصلاح المالية العامة، وتمر عبر تحفيز الإنتاج الوطني، وتنتهي بتقوية القدرة الشرائية للمواطنين وجذب رؤوس الأموال.
في الواقع، ترامب ليس رجلًا مجنونًا، بل هو شخصية براغماتية تمتلك الجرأة على التفكير خارج الصندوق، والدفاع عن مصالح بلاده بشكل مباشر، حتى وإن خالف التيار العام.
وقد يكون من الحكمة أن نتوقف عن التعامل معه على أنه شخص غير عقلاني لمجرد أن مواقفه مثيرة للجدل. فعلى الأقل، هو يقدم حلولًا لأزمة حقيقية، بينما يكتفي الكثيرون بتكرار نفس السياسات التي أدت إلى هذه الأزمة في المقام الأول.
اقتصاديًا، من المجدي أن ندرس هذه الأفكار ونتأمل فيها بجدية بدل أن نرفضها لمجرد أنها صادرة من ترامب.