
بقلم: المصطفى المعاش
مدير قانوني ومستشار عام
عندما تتحول الترابطات الرقمية إلى نقاط هشاشة، تفرض السيادة الرقمية نفسها كأولوية استراتيجية لا تقبل التأجيل.
فقد كشفت الانقطاعات الأخيرة في خدمات الاتصالات بالمغرب، الناتجة عن انقطاع كهربائي مسّ دولاً أوروبية كإسبانيا، والبرتغال، وجنوب فرنسا، عن هشاشة بنيوية في البنيات التحتية الرقمية التي تبقى معرضة لمخاطر نظامية عابرة للحدود.
في هذا السياق، ينص القانون المغربي بوضوح على أسس حماية الخدمة الرقمية. فالقانون رقم 24-96 المتعلق بالبريد والاتصالات يفرض في مادته 50 على مزوّدي الخدمات التزامًا صريحًا بضمان استمرارية وجودة الخدمة. كما أن القانون رقم 31-08 المتعلق بحماية المستهلك، في مواده 3 و7 و8 و13، يشدد على ضرورة الشفافية في إعلام المستهلك، وتأطير صارم للعقود، وإمكانية فسخها قانونيًا في حال الإخلال غير المبرر بالالتزامات.
ولا يمكن لشروط الاشتراك العامة أن تضعف هذه المقتضيات القانونية الملزمة، كما أن الاتفاقيات الدولية، مثل اتفاقية الاتحاد الدولي للاتصالات، وإن كانت تفضل التعاون التقني، فإنها تترك لكل دولة مسؤولية حماية حقوق مستهلكيها بفعالية.
وتعزز هذه المقتضيات بمبادئ أساسية في ظهير الالتزامات والعقود المغربي، لا سيما الفصل 230 الذي يجعل العقد شريعة بين المتعاقدين، والفصل 263 الذي يُحمّل المسؤولية في حالة عدم التنفيذ، إلا في حالات القوة القاهرة المثبتة وفق الفصل 269. ومع ذلك، فإن القوة القاهرة، وإن كانت ظرفًا استثنائيًا، لا تُسقط واجب التبصر والحذر في ضمان الخدمات الأساسية.
وفي ظل اقتصاد رقمي متسارع، يكفي انقطاع لبضع ساعات ليُخلّف آثارًا بالغة كتعطيل الأنشطة المهنية، وإضعاف المداخيل، وتقويض الثقة الرقمية بشكل دائم.
من هنا، لم تعد السيادة الرقمية ترفًا، بل أضحت ركيزة فورية ضمن استراتيجيات التنمية الوطنية وإدارة المخاطر، وضرورة لحماية الاقتصاد الوطني وصيانة الحقوق الرقمية للمواطنين.