
في نسخة 2025 من المعرض الدولي للفلاحة بمكناس (SIAM)، عرضت مجموعة OCP رؤيتها المستقبلية لتحول القطاع الفلاحي المغربي نحو نموذج أكثر استدامة ومرونة. وبين رهانات الأمن الغذائي وتحديات التغير المناخي، تسلط المجموعة الضوء على الحلول العلمية والعملية التي تدمج الابتكار التكنولوجي مع التمكين المجتمعي.
- من قلب التربة تبدأ الرحلة
تُعد صحة التربة أحد الأعمدة الأساسية التي تنبني عليها مقاربة OCP. فالتربة السليمة تعني محصولاً أكثر جودة واستدامة بيئية. لهذا تبنت المجموعة استراتيجية تسميد عقلاني تستند إلى مبدأ “الميمات الأربع” (4Rs): المصدر المناسب، الكمية المناسبة، الوقت المناسب، والمكان المناسب. هذه المنهجية العلمية تتيح رفع المردودية وتقليل البصمة البيئية للأسمدة.
ويُعد منتج TSP المطور من طرف OCP Nutricrops نموذجاً حياً لهذا التوجه، بتركيبة عالية الذوبان (أكثر من 90%) ونسبة فوسفور تصل إلى 46%، إلى جانب 15% من الكالسيوم لتحسين بنية التربة. كما أن تطوير الأسمدة الخضراء مثل Green TSP يؤكد التزام المجموعة بخفض الانبعاثات الكربونية.
- مراكز البحث والابتكار: مصانع لحلول الغد
الابتكار ليس رفاهية بل ضرورة، ولهذا جعلت OCP من جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية (UM6P) ومركز INNOVX شريكين استراتيجيين في تطوير أسمدة ذكية، نانوية، وحيوية. وقد أثمرت هذه الشراكة إعداد خريطة رقمية تغطي 52 مليون هكتار وتطوير 3500 تركيبة مشخصة.
في هذا السياق، يتحول العلم إلى أداة فعالة لإعادة تعريف علاقة الفلاح بالأرض، مع تركيز على ملاءمة التوصيات الفلاحية مع خصوصيات كل منطقة ومحصول.
- حلول مبتكرة لمعضلة الماء
في ظل التحديات المرتبطة بندرة المياه، برز فرع OCP Green Water الذي تأسس سنة 2022 كفاعل محوري في السيادة المائية. ويعتمد على مصادر غير تقليدية كتحلية مياه البحر ومعالجة مياه الصرف الصحي، وفق نموذج دائري يحقق الاستدامة ويقلل من الضغط على الموارد الطبيعية.
منذ سنة 2024، أصبحت جميع مواقع OCP الصناعية تعمل حصرياً بالمياه غير التقليدية. ويرتكز هذا التحول على بنية تحتية متقدمة تشمل أنبوب نقل الفوسفات بين خريبكة والجرف الأصفر، بقدرة نقل 80 مليون متر مكعب سنوياً.
- من المصنع إلى المدينة: الماء للجميع
لا يقتصر دور OCP Green Water على الاستعمال الصناعي، بل يشمل أيضاً تزويد مدن آسفي والجديدة وجنوب الدار البيضاء بالمياه الصالحة للشرب، مع خطط لتوسيع هذه الخدمة إلى مدن كخريبكة ومراكش واليوسفية.
كما يتم العمل على إدماج تقنيات الاستشعار وإنترنت الأشياء لرسم خرائط مائية آنية تدعم اتخاذ القرار الفلاحي وتساهم في ترشيد استهلاك المياه.
- طاقة نظيفة وحياد كربوني
حددت OCP هدف الحياد الكربوني للنطاقين 1 و2 في أفق 2030، والحياد الكامل بحلول 2040. ويستند هذا الالتزام إلى استخدام الطاقة المتجددة بنسبة 85.5% (2023)، إلى جانب تطوير أسمدة منخفضة الكربون، والاعتماد الكلي على المياه غير التقليدية، وتوسيع مشاريع الطاقات النظيفة لتصل إلى 5 جيغاواط بحلول 2027.
الكربون: من عدو إلى حليف
لا تتوقف جهود المجموعة عند تقليل الكربون، بل تتعداها إلى تحويله إلى حليف عبر الزراعة الكربونية والفلاحة الحافظة. أكثر من 2000 فلاح مغربي التحقوا ببرامج مخصصة لهذا المجال، تغطي 6 ملايين هكتار وتستهدف عزل 7 ملايين طن من ثاني أوكسيد الكربون سنوياً بحلول 2030.
كما تفتح هذه البرامج الباب أمام إنتاج أرصدة كربون تمنح الفلاحين استقلالية مالية وتُعزز فرص ولوجهم لأسواق جديدة.
الإنسان في صلب التحول
تؤمن OCP أن التحول الفلاحي لا يمكن أن يتحقق دون الإنسان. ولهذا وضعت استراتيجية تقوم على التكوين، الإدماج، الخصوصية المحلية، وريادة الأعمال. برنامج “المثمر” خير مثال، حيث يضم 120 مهندساً فلاحياً يواكبون الفلاحين في 43 إقليماً.
سنة 2024 فقط، استفاد أكثر من 89,000 شخص من مشاريع اجتماعية وتعليمية وفلاحية بدعم من مؤسسة OCP، في حين واصلت مؤسسة فوسبوكراع دعم الابتكار الفلاحي في الأقاليم الجنوبية.
- الرهان على الشباب والابتكار
عبر جامعة محمد السادس، تم تكوين أكثر من 1500 مهني فلاحي ودعم أكثر من 1000 مقاولة ناشئة. كما يجمع برنامج SP2M بين تطوير منصات إنتاج صناعي منخفض الكربون وخلق مناصب شغل جديدة، خصوصاً في آسفي والصويرة، بما يتجاوز 20,000 فرصة عمل.
وتعزز برامج مثل MAVA وBADEE دعم الفلاحين الصغار وتشجيع المقاولات الريفية ذات الأثر الاجتماعي والبيئي، مع أهداف طموحة لتعبئة 800 مليون دولار وتطوير 100 مشروع بحلول 2030.
- نحو فلاحة إفريقية عادلة
في القارة الإفريقية، تواصل OCP جهودها من خلال OCP Africa، حيث استفاد أكثر من 1.1 مليون فلاح صغير من برامج مثل Agribooster وOCP School Lab، التي تقدم تشخيصات ميدانية وتوصيات مشخصة للأسمدة.
ومن خلال هذا التمكين، تكرس المجموعة قناعتها بأن الأداء الفلاحي لا ينفصل عن الإدماج الاجتماعي، وأن فلاحة المستقبل يجب أن تكون مرنة، عادلة، ومبنية على المعرفة.
ختاماً، تقدم مجموعة OCP في SIAM 2025 نموذجاً يحتذى به لتحول فلاحي شامل، حيث يلتقي العلم بالواقع، والتقنية بالتراب، والطموح الجماعي بمصير الأرض والإنسان.
ومن الواضح أن الاستراتيجية الشاملة التي تتبناها المجموعة لا تهدف فقط إلى رفع المردودية أو تقليص التأثيرات البيئية، بل تتعداها إلى إعادة تعريف الفلاحة كمشروع مجتمعي واقتصادي وإنساني متكامل. وبينما تتجه أنظار العالم نحو تحديات الأمن الغذائي والمناخي، تؤكد OCP من جديد أن المغرب، ومن خلال مقاربات جريئة ومسؤولة، قادر على أن يكون مركز إشعاع للتغيير الزراعي على مستوى القارة والعالم.