رئيسيةوجهات نظر

بين السيادة الرقمية والواقعية البراغماتية

بقلم: نبيل حفاظ

متخصص في التحول المؤسسي وتحسين الأداء

 

أعادت حادثة قرصنة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي إلى الواجهة سؤالاً أساسياً طالما تم تجنبه أو تغليفه بالشعارات: هل نحن مستعدون فعلاً لتحمّل الإدارة المحلية لبياناتنا الحساسة؟

هذا التساؤل لا يفارقني منذ الأمس. وربما حان الوقت لتقاسمه معكم، ليس فقط كحالة طارئة بل كمناسبة للتفكير الجماعي في عمق المسألة. فبينما تواصل العديد من مشاريع التحول الرقمي – سواء في القطاع العام أو الخاص – تعثرها، تبرز قضية السيادة الرقمية كأحد العوائق الكبرى.

صحيح أن الطموح نحو سيادة رقمية وطنية أمر مشروع ومطلوب. لا خلاف في ذلك. لكن هذا النوع من الطموحات لا يُترجم بمجرد إرادة سياسية أو مواقف رمزية. فالسيادة لا تُفرض بمرسوم، بل تُبنى تدريجياً، عبر خطوات مدروسة ومن موقع واقعي. وعندما يكون مستوى الانطلاق ضعيفاً – كما هو حال معظم إداراتنا – يصبح من الضروري التفكير في الانتقال الذكي، في التهجين، وفي المرونة، بدل التمسك بالمبدأ المجرد دون أدوات أو جاهزية.

قضية حماية البيانات ليست الوحيدة هنا. فالإشكال يمتد إلى صميم قدرتنا على الابتكار، خصوصاً في مجالات حيوية مثل الذكاء الاصطناعي. فهل مجرد تخزين بياناتنا داخل الحدود يضمن أمنها؟ ليس دائماً. وهل نمتلك فعلاً الكفاءات، والبنية التحتية، والأدوات، وحوكمة البيانات القادرة على حمايتها واستثمارها بالشكل المطلوب؟ بضع كفاءات لامعة لا تصنع منظومة، ولا تخلق دينامية حقيقية.

أما عن طموحاتنا في تشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي – المتطلبة من حيث الحساب، والموثوقية، وانخفاض زمن الاستجابة – فالحقيقة أننا ما زلنا خارج السباق. فرض السيادة على بنى تحتية غير مؤهلة قد لا يكون فقط غير مجدٍ، بل قد يبطئ بل يعيق مشاريعنا الاستراتيجية في الذكاء الاصطناعي، وعلوم البيانات، والتحول الرقمي.

ألسنا بحاجة إلى براغماتية أكثر؟ أليس من الأفضل أن نقبل الحوسبة السحابية كمرحلة انتقالية، نلجأ إليها بوعي لا بتبعية، بدل التمترس خلف مواقف أيديولوجية جامدة؟ سياسات مجزأة، مرنة، تُراعي نضج كل طرف وطبيعة البيانات المعنية، قد تكون أكثر نجاعة وجدوى.

نحن بحاجة لما هو أعمق من الشعارات. نحتاج إلى خطة تطوير حقيقية، إلى وعي جماعي، وإلى مقاربة تدريجية لبناء سيادة مفيدة، دائمة، ومتوافقة مع طموحاتنا في الابتكار.

ولا يمكن أن نغفل عن عائق آخر لا يقل خطورة: أنظمتنا الحالية للصفقات العمومية، التي صممت لعالم ما قبل الإنترنت، ولا تزال تسير بمنطق يعيق المشاريع، ويكبح الابتكار، ويقتل الديناميات. نحن ببساطة أسرى منظومة لا تتماشى مع الواقع التكنولوجي المتسارع.

المشكلة الكبرى ليست في الطموحات، بل في بطء التنفيذ. نملك المواهب، ونفهم جيداً التوجهات العالمية، وبعض الأسس لدينا مبشرة، لكننا نتحرك ببطء مقلق، وهذا النوع من القرارات والمواقف لا يساعد على تسريع الخطى.

أعلم أن هذا الطرح قد لا يرضي الجميع، وربما لن أكسب الكثير من الأصدقاء بسببه. لكن لا بأس. فقول الحقيقة، في هذا الزمن، هو أيضاً شكل من أشكال الشجاعة.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى