رئيسيةوجهات نظر

السياسة الطاقية: ارتباك في الأهداف وتناقض مع النموذج التنموي الجديد

بقلم الدكتور سعيد كَمرة

فاعل في مجال الانتقال الطاقي

فوجئت بشدة عندما قرأت مقالا يتحدث عن كون المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب (ONEE) يعتزم استثمار 10 مليارات درهم لإنتاج قدرة كهربائية تصل إلى 10 جيغاواط خلال الفترة ما بين 2025 و2030.

قد يبدو ذلك طموحًا مشروعًا، لكن هذا الإعلان يتعارض بشكل صارخ مع ما ورد في النموذج التنموي الجديد، الذي اعتمده جلالة الملك، والذي ينص بوضوح على أن المكتب يجب أن يقتصر دوره على نقل الكهرباء فقط، وأن عملية الإنتاج ينبغي أن تخضع للتحرير.

كما يقرّ النموذج بأن الوكالة المغربية للطاقة المستدامة (Masen) هي المطور المؤسساتي لمشاريع الطاقة المتجددة، وهي الجهة الوحيدة المخولة بتلقي وتدبير المشاريع المرتبطة بالهيدروجين الأخضر. وهذا يطرح تساؤلات جدية حول مدى الالتزام الفعلي بتنزيل توصيات هذا النموذج الطموح.

وكانت الهيئة الوطنية لضبط الكهرباء (ANRE) قد صادقت على الفصل المحاسباتي بين أنشطة النقل والإنتاج، ولم يكن يتبقى سوى التنفيذ الفعلي لهذا القرار. فما الذي يحدث؟ هل المكتب الوطني يعود من جديد إلى الإنتاج، خلافًا لما تم الاتفاق عليه مؤسساتيًا واستراتيجياً؟

وزيرة الانتقال الطاقي تتحدث عن أهداف قدرها 1300 ميغاواط سنويًا من الآن وحتى 2027. بالمقابل، المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب يصرّح بأنه يهدف إلى إنتاج 10 جيغاواط خلال الفترة ما بين 2025 و2030، في حين أن الوكالة المغربية للطاقة المستدامة تضع هدفًا لإنتاج 6000 ميغاواط خلال الفترة الممتدة من 2016 إلى 2030. كيف للقارئ المغربي، أو المستثمر أو الفاعل في المجال، أن يفهم هذا التضارب؟ إنه مشهد يعكس صورة فوضوية ومربكة.

الأهداف ينبغي أن تكون موحدة ومنسقة، لكننا نلاحظ أن كل جهة تسير في اتجاه مختلف. الوزارة في اتجاه، والمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب في اتجاه آخر، والوكالة المغربية للطاقة المستدامة في اتجاه ثالث.

أعتقد أن الحل الأمثل الآن هو عقد اجتماع مؤسساتي يجمع بين وزارة الانتقال الطاقي، و”مازن”، والمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، من أجل تنسيق الأهداف وتوحيد الخطاب الموجه للمغاربة. على الأقل، يجب الاتفاق بشكل رسمي على هدف 2030، الذي حدده بلاغ الديوان الملكي الصادر سنة 2022 في نسبة 52% من المزيج الكهربائي الوطني وليس من القدرة الإنتاجية فقط.

وهنا لا بد من التذكير بأن مساهمة الطاقات المتجددة في سنة 2023 لم تتجاوز 21.7% حسب معطيات الهيئة الوطنية لضبط الكهرباء ANRE، وليس 45% كما يُشاع أحيانًا.

بعد الاتفاق على الهدف الاستراتيجي، يجب تقديم رقم واحد رسمي يمثل التزام الدولة، بالإضافة إلى توضيح ما إذا كان المكتب الوطني سيواصل التركيز على النقل فقط، أم سيعود فعلاً إلى إنتاج الكهرباء، وهو ما يتطلب مراجعة جوهرية في السياسات العمومية.

هذا الغموض ينعكس سلبًا على ثقة المواطن وعلى فعالية تنفيذ الانتقال الطاقي. فكيف يمكن تحقيق نتائج كبيرة، ونحن لا نزال نسجل معدل إنجاز لا يتجاوز 200 ميغاواط سنويًا؟ في حين أن تحقيق هدف 2030 يتطلب الوصول إلى معدل يتراوح ما بين 1000 و1200 ميغاواط سنويًا.

الرقم الذي يجب أن نضعه نصب أعيننا هو 1300 ميغاواط سنويًا من الطاقات المتجددة إلى حدود سنة 2030، منها 300 ميغاواط ينبغي أن تأتي من الإنتاج اللامركزي، كما أوصى بذلك النموذج التنموي الجديد. غير أنه، وللأسف، لم يُحرز أي تقدم يُذكر في هذا المجال.

إذا أردنا فعلًا تسريع الانتقال الطاقي، فيجب إصدار قانون جديد يسهّل على المستثمرين الخواص، خصوصًا في الجهد العالي، دخول هذا السوق. وقف طرد هؤلاء المستثمرين هو شرط ضروري لتحقيق الأهداف المنشودة. فجوهر النموذج التنموي يقوم على تحرير المبادرة وتوسيع قاعدة الفاعلين، لا على ترك الدولة تقوم بكل شيء وحدها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى